نجحتْ أميركا بتنصيبِ مجموعةٍ من الحاقدينَ السياسيِّينَ، وشكَّلتْ حكومةً ونظامًا سياسيًّا وعسكريًّا ومصرفيًّا خاضعًا بشكلٍ كُلِّيٍّ للإدارةِ الأميركيَّةِ وأوامرِها. واستثمرتْ بشكلٍ سريعٍ ومباشرٍ اغتيالَ “السيد الشهيد” وسقوطَ النظامِ السوريِّ الداعمِ للمقاومةِ، في ما يمكنُ وصفُهُ بانقلابٍ على المقاومةِ وعلى الصِّيغةِ اللبنانيَّةِ واتفاقِ الطائفِ. وقد اضطُرَّتِ “الثنائيَّةُ” للمشاركةِ في “حكومةِ أميركا” نتيجةَ الظروفِ ومحاولةِ تقليلِ الخسائرِ وتحصيلِ بعضِ الأرباحِ على مستوى الإعمارِ وحمايةِ المقاومةِ، لكنْ تبيَّنَ أنَّ هذا الحضورَ، الذي سمحتْ به أميركا وفقَ شروطِها، جعلَ الوزراءَ الشيعةَ يقومونَ بدورِ “الكورسِ السياسيِّ” لحفظِ الميثاقيَّةِ والديمقراطيَّةِ الشكليَّةِ، من دونِ القدرةِ على منعِ أو تعديلِ أو تأخيرِ صدورِ أيِّ قرارٍ تفرضُهُ “أميركا” بعدما تمَّ الانقلابُ على الطائفِ والميثاقيَّةِ الطائفيَّةِ، واعتمدتِ الحكومةُ مبدأَ التصويتِ متسلِّحةً بالأكثريَّةِ العدديَّةِ في مجلسِ الوزراءِ ومجلسِ النوَّابِ لتهميشِ الصوتِ الشيعيِّ وإلغاءِ الحضورِ السياسيِّ والتمثيلِ النيابيِّ.
مخالفات “حكومة أميركا” في لبنان
خالفتْ هذه الحكومةُ اتفاقَ الطائفِ والقراراتِ الدوليَّةَ مرَّاتٍ متعدِّدةً:
الأولى: عدمُ الالتزامِ بالميثاقيَّةِ الوطنيَّةِ التي لا تعتمدُ الديمقراطيَّةَ العدديَّةَ، بل “الديمقراطيَّةَ الطائفيَّةَ”، خصوصًا في الأمورِ الاستراتيجيَّةِ الوطنيَّةِ. فقد اعتمدتِ التصويتَ وألغتْ “الصوتَ الشيعيَّ” و”طردتِ” الوزراءَ الشيعةَ، بعدما وُضِعوا بين خيارِ الموافقةِ على إعدامِ المقاومةِ وأهلِهم وطائفتِهم، أو الانسحابِ الاضطراريِّ الإكراهيِّ.
الثانية: عدمُ الالتزامِ بما نصَّ عليه اتفاقُ الطائفِ من “حقِّ لبنانَ باستعمالِ كلِّ الوسائلِ المشروعةِ، بما فيها المقاومةُ المسلَّحةُ لتحريرِ أرضِه”.
الثالثة: مخالفةُ هذه “الحكومةِ الماريونيت” الأميركيَّةِ لقرارِها “القرصنةِ الديمقراطيَّةِ” القاضي بـ”حصريةِ السلاحِ”، وتحويلُهُ تنفيذيًّا إلى قرارِ “تفجيرِ السلاحِ” بعدَ مصادرته أو تسلُّمهِ من المقاومةِ، وفقَ التعليماتِ الأميركيَّةِ-الإسرائيليَّةِ، وبتوقيعٍ وتصفيقٍ من القوى السياسيَّةِ العميلةِ والمطبِّعةِ مع العدوِّ، أو التي غدرتْ بالمقاومةِ كعادتها.
الرابعة: مخالفةُ الحكومةِ للقرارِ 1701، الذي ينصُّ على أنْ تكونَ “منطقةُ جنوبِ الليطاني خاليةً من السلاحِ والمسلَّحين”، ولا ينصُّ على أنْ تكونَ خاليةً من الجيشِ اللبنانيِّ المسلَّحِ القادرِ على الدفاعِ عن الجنوبِ وتحريرِ أرضِه المحتلَّةِ. وقد تحوَّلَ الجيشُ اللبنانيُّ المغلوبُ على أمرِه بالقرارِ السياسيِّ إلى قوَّاتِ “حفظِ الأمنِ الإسرائيليِّ”، وإهمالِ حفظِ “الأمنِ اللبنانيِّ”، بما يشابهُ مهمَّاتِ ودورَ أجهزةِ أمنِ السلطةِ الفلسطينيَّةِ وقوَّاتِ “الجولاني” والجيشَينِ الأردنيِّ والمصريِّ والقوَّاتِ الدوليَّةِ، وهذا يناقضُ مهمَّتَهُ ووظيفتَهُ الوطنيَّةَ الموكلةَ إليه.
خطوات مطلوبة من قوى المقاومة
إنَّ استمرارَ “حكومةِ أميركا” بإدارةِ السلطةِ في لبنانَ يشكِّلُ خطرًا كبيرًا على لبنانَ الكيانِ ووحدتِه وسيادتِه، ويضعُهُ على شفيرِ “البيع” بعد تكريسِ احتلالِه سياسيًّا وعسكريًّا. لذلك يجبُ على قوى المقاومةِ البدءُ بالخطواتِ التاليةِ:
مبادرةُ نوَّابِ الثنائيَّةِ لتقديمِ طلبٍ لتعديلِ “اتفاقِ الطائفِ”، وإلغاءِ “الميثاقيَّةِ الطائفيَّةِ” التي تفرضُ المناصفةَ في المجلسِ النيابيِّ والحكومةِ ووظائفِ الفئةِ الأولى، وتعميمُ “الديمقراطيَّةِ العدديَّةِ” في الانتخاباتِ النيابيَّةِ القادمةِ، وتقسيمُ النوَّابِ والوزراءِ بما يتناسبُ مع العددِ لكلِّ طائفةٍ.
إلزامُ السلطةِ بتنفيذِ القرارِ 1701 و”اتفاقِ تشرين” بأنْ تكونَ الأسلحةُ والأنفاقُ والقواعدُ العسكريَّةُ التي تسلِّمُها المقاومةُ أو يصادرُها الجيشُ والقوَّاتُ الدوليَّةُ بيدِ الجيشِ، ومنعُ تفجيرِها. وإلَّا فعلى المقاومةِ إعلانُ عدمِ التزامِها بالاتفاقِ والقرارِ 1701.
مقاطعةُ جلساتِ الحكومةِ لعدمِ إمكانيَّةِ تحصيلِ أيِّ منفعةٍ، وهو ما أثبتتْه المشاركةُ السابقةُ، إذ لم يستطع الوزراءُ الشيعةُ إصدارَ أيِّ قرارٍ لإعادةِ الإعمارِ أو منعَ قرارِ نزعِ السلاحِ.
تحضيرُ الشارعِ المنظَّمِ والمنضبطِ والشجاعِ للقيامِ بواجبهِ للدفاعِ عن نفسهِ وعن المقاومةِ وأهلِها، لإسقاطِ هذه “الحكومةِ المجوْقلةِ”، والاستفادةِ من تجربةِ “انتفاضةِ شباط 1984″، حيث تمَّ تحريرُ الضاحيةِ وبيروتَ الغربيَّةِ من النظامِ السياسيِّ الذي نصَّبتْه إسرائيلُ ومن الجيشِ الفئويِّ، لتأمينِ قاعدةِ انطلاقٍ لتحريرِ الجنوبِ.
خاتمة
لا يمكنُ تحريرُ الجنوبِ وإعادةُ الإعمارِ إلَّا بتحريرِ لبنانَ من “الاحتلالِ السياسيِّ الأميركيِّ” وتأمينِ قاعدةِ انطلاقٍ سياسيَّةٍ ومدنيَّةٍ لتحريرِ الجنوبِ.
فليكنْ تاريخُ 27 أيلول 2025… نهايةُ “السنتينِ العجافِ”، وبدايةُ مرحلةِ استعادةِ الردعِ والأرضِ والكرامةِ والحرِّيَّةِ